أبو الهول
جانب من الاحتفال بالانتهاء من ترميم تمثال "أبى الهول" يوم 25 مايو 1998 م، وعرض الصوت والضوء الذى قُدم فى هذا الاحتفال باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية - وهذا الترميم هو الترميم السادس فى عمر التمثال، حيث بدأت أولى أعمال الترميم لـ"أبى الهول" فى عهد الملك "تحتمس الرابع" عام 1550 ق.م، بإزالة الرمال التى كانت قد تراكمت فى ذلك الوقت حول التمثال.
يقبع "أبو الهول" بمنطقة الأهرام بالجيزة وكأنه حارس لمدينة الموتى فى منطقة الجيزة. وقد مجّده الأجداد منذ عهد بعيد، واعتبروه صورة من صور إله الشمس، وأقاموا نصباً باسمه (ماعت)، أى العدالة المستقرة. وجسم هذا التمثال العملاق يحاكى جسم الأسد، ورأسه رأس إنسان. وكان الفن فى أيامه راقياً، لأن المثَّالين والنحَّاتين كانوا يقومون بمثل هذه الأعمال الضخمة بقدرة عجيبة تجعل المشاهد لا يشعر بافتعال لهذا المزج الغريب بين الإنسان والحيوان.
ويقال أن رأس هذا التمثال هو رأس الفرعون "خفرع" الذى بنى الهرم الثانى، والذى يوجد هذا التمثال فى طريقه. وكان لـ"أبى الهول" لحية مستعارة طويلة ودقيقة ترمز إلى أن الملوك الأقدمين كانوا يطلقون لحاهم، وكان على جبينه حية ناهضة. لكن للأسف سقطت اللحية والحية من موضعيهما لأنهما فى الأطراف. ويبلغ ارتفاع هذا التمثال 22 متراً وطوله 46 متراً. ويقال أن الملك "خفرع" عندما أمر بإنشاء الطريق الممتد بين معبد الوادى والمعبد الجنائزى (معبد الشعائر)، اعترضته صخرة كبيرة، فرأى أن يصنع منها ذلك التمثال الهائل.
واسم هذا التمثال فى اللغة العربية "أبو الهول" .. يقال إن قوماً من الكنعانيين الذين كانوا يسكنون سوريا جاءوا إلى مصر فى عصر الدولة الحديثة الفرعونية، وسكنوا حول التمثال. وكانوا يعبدون فى بلادهم إلهاً على شكل صقر يدعى "حورون"، فاعتقد هؤلاء أنه يمثل إلههم. وأطلقوا على الحفرة التى فيها أبو الهول "برحول" أى بيت حول "الأسد"، وتحورت هذه الكلمة فيما بعد إلى كلمة "أبو الهول". وهناك بعض الناس الذين يعتقدون أن كلمة "أبو الهول" عربية ومعناها أبو الرعب، أو الجلال المفزع. وهذا أمر معقول جداً.
ولقد عُثر حوله على بعض الآثار التى تدل على أنه يمثل الإله "حور إم آخت" أى حور فى الأفق وهو الملك المتوفى الذى يشبهونه "بحور". ولقد عُبد فى جميع عصور الفراعنة وإن كان قد ازداد تقديسه فى أيام الدولة الحديثة، وامتد إلى عهد الرومان، بدليل ما وُجِد حوله من ألواح تبين الاهتمام بشأنه. ومعظم هذه الألواح موجودة الآن بالمتحف المصرى.
واتخذ ملوك الأسرة الثامنة عشرة التى ينتمى إليها "توت عنخ آمون"، اتخذوا من هذه البقعة مكاناً للصيد لشهرتها بحيوانات الصيد فى ذلك الوقت.
أصل تسمية الأهرامات Pyramids والغرض من بنائها
منظر عام لأهرامات الجيزة.
أما الأهرام فقد اعتبرها الناس فى العالم إحدى عجائب الدنيا السبع، وانبهروا (ومازالوا ينبهرون كل يوم) بهذا الأثر العجيب الخالد مع الزمن، الذى بناه أجدادنا الفراعنة منذ أكثر من أربعة آلاف عام، حوالى عام 2600 قبل الميلاد.
وقال بعض العلماء الأوروبيين الذين زاروا مصر فى القرن التاسع عشر الميلادى، إن هذه الأهرامات بُنيت لأغراض علمية. وقال البعض الآخر، أنها بنيت لتكون وحدة قياسية يعتمد عليها المصريون فى مقاييس الطول والثقل والوزن. وقال عالم فلكى قديم: "إن الأهرام كلها مبنية على نظريات فلكية. فقواعدها الأربعة تواجه الجهات الأصلية الأربع تماماً  الشرق والغرب، والشمال والجنوب!"
وقال بعضهم إنها بُنيت لتكون ساعات شمسية يمكن بواسطتها قياس فصول السنة، والمنافذ المنحدرة فيها ما هى إلا مراصد يراقب منها الفلكيون دوران النجوم، وقال غيرهم إنها كانت أسوارا ومتاريس، حاول بها المصريون القدماء أن يصدوا الرمال عن وادى النيل. لكن هذه كلها آراء مبالغ فيها، ولا أساس لها من الصحة. فالأهرام ما هى إلا مقابر ملكية، صُممت وبُنيت ليُدفن فيها الملك ومعه أشياؤه الثمينة التى كانت معه فى الحياة الدنيا.
وفى اللغات الإفرنجية يطلق على الهرم كلمة "بيراميد" Pyramid، ويجب أن نذكر أن اللغة القبطية التى ما زالت مستخدمة فى الطقوس الدينية للكنائس المصرية هى آخر صورة من صور اللغة المصرية القديمة. وفى هذه اللغة نجد كلمة "بى راما" تعنى الارتفاع. ويمكن أن تكون كلمة "بيراميد" الإفرنجية مشتقة من هذه الكلمة.
وهناك احتمال آخر أن تكون هذه الكلمة قد اشتقت من الكلمة المصرية القديمة "بر  ام  أوس" ومعناها بناء منحدر الجوانب، ثم نقلها الإغريق بصورتها "براميس" وجمعوها "براميدس"، ومنها أُخذت الكلمة الإفرنجية الحالية المتشابهة إلى حد كبير فى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية.
وكلمة هَرَم باللغة العربية تعنى أقصى الكبر، بمعنى بلوغ أقصى العمر. ولقد أطلق العرب هذه الكلمة على هذا البناء دلالة على قدمه. ثم جُمعت على أهرام، وجُمع الجمع أحياناً فقيل أَهرامَات. أما كلمة "سفنكس" Sphinx الإفرنجية التى تطلق على "أبى الهول"، فترجع إلى أن الإغريق والرومان حينما جاءوا إلى مصر فى زيارات ثم كمستعمرين، أعجبهم شكل ذلك التمثال الضخم الذى يمثل جسم أسد، ورأس إنسان، فيجمع بذلك بين قوة الجسد وكمال العقل، وتذكروا ذلك الحيوان الخرافى الذى ورد فى أساطيرهم واسمه "سفنكس"، وكان له أيضاً جسم أسد ورأس امرأة بأجنحة.
والبعض يقول إن الأهرامات تم بناؤها بالسخرة واستخدام السوط، والبعض الآخر يقولون إنها بُنيت بروح الرضا وإشباع المزاج الفنى، وكذلك لتقديس المصريين لملوكهم وعبادتهم لهم بعد موتهم. ويقولون إن السخرة والإجبار قد تبنى ما هو أعظم من الهرم الأكبر .. لكنها لم تكن تستطيع أن تصل ببنائه إلى الروعة والإتقان اللذين يميزانه.
ومن ذلك نتعلم أن ننظر لأى قضية من جميع أطرافها .. فننظر إلى الحالة الاقتصادية، وإلى الحالة الاجتماعيةوالسياسية، وكذلك إلى الدين وطبيعة العقيدة التى كان يؤمن بها الناس فى هذا الوقت، وكذلك حالة الفنون والعلم ..
هضبة الأهرام
وهضبة الأهرام (وسميت هضبة لأنها منطقة مرتفعة) كانت الجبانة الرسمية التى اختارها أجدادنا فى الدولة القديمة للعاصمة القديمة "ممفيس" ("ميت رهينة" حالياً). وقد اختير هذا المكان (وأيضاً منطقة "سقارة") بعناية لأنه جاف ومرتفع جداً، وبذلك تكون المقابر بعيدة عن مياه فيضان النيل ورشْحه. فالمنطقة شديدة الجفاف دائماً، لذا تستطيع أن تحفظ الأجساد سليمة لأزمان طويلة. وتقع هضبة الأهرام على الشاطئ الغربى للنيل.
لقد كانت معظم المدن المصرية القديمة تُبنى على الشاطئ الشرقى للنيل. أما الجبانات أو المقابر فإنها تبنى على الشاطئ الغربى، لأن المصريون كانوا يعتقدون أن أرواحهم مثل الشمس التى تشرق كل يوم من الشرق ثم تغرب ناحية الغرب، وأن الموت ما هو إلا الغروب بالنسبة لحياتهم.
أهرامات أخرى
وجبانة الجيزة التى تمتد على الشاطئ الغربى للنيل، وعلى حافة الصحراء الليبية من شمال "أبو رواش" إلى جنوب "ميدوم" (قرب بنى سويف) يبلغ طولها 40 كيلومتراً. هذه الجبانة تحتوى على ست مجموعات من الأهرام، وهى من الشمال إلى الجنوب: أهرام "أبو رواش"، ثم أهرام الجيزة، ثم أهرام "أبوصير"، و"سقارة"، و"اللشت" (قرب بنى سويف)، و"دهشور" (هرمى "سنفرو")، ثم هناك أهرام أخرى تم بناؤها بعيداً عن هذه الهضبة فى منطقتى "اللاهون"، و"هوارة" بالفيوم. ولكن أشهر هذه الأهرام وأعظمها شأناً هى أهرام الجيزة الثلاثة.
التطور فى بناء المقابر من المصطبة إلى الشكل الهرمى الكامل
لم يظهر بناء الهرم كاملاً هكذا دفعة واحدة، بل كان نتيجة لارتقاء بطئ فى تكوين شكل المقبرة وطريقة بنائها .. ففى العهد الأول من الدولة القديمة كانت المصاطب هى مقابر الملوك والأمراء والأثرياء. ثم رأى أحد ملوك الأسرة الثالثة من هذه الدولة  وهو ملك عظيم اسمه "زوسر أن يضع فوق هذه المصاطب مصاطب أخرى، كل واحدة أصغر مما تحتها. فنشأ بذلك الهرم المدرج المعروف فى "سقارة"، وهو التطور المعقول من المصطبة إلى الهرم. أما كلمة مصطبة فمعناها فى اللغة شئ مرتفع عن الأرض يجلس عليه الناس، أو يرقدون عليه. وفى الريف المصرى تبنى من الطوب أمام بعض منازل القرية للجلوس عليها. ولذلك أخذ علماء الآثار هذا الاسم للتشابه مع هذه المصاطب التى كانت أصلاً مقابر.
وكانت المصطبة تنقسم إلى جزأين: جزء ينحت فى الصخر تحت الأرض، وفى هذا الجزء توجد حجرة الدفن التى يوضع فيها التابوت، وكذلك الطريق الموصل إليها، ثم جزء فوق سطح الأرض، ويبنى بالطوب على شكل مستطيل، ويحتوى على عدة حجرات.
ومن المهم أن نشرح التطور الذى حدث فى بناء الهرم:
أولاً: المصطبة الكبيرة المشيدة من الطوب اللبن، وظهرت أولاً فى "سقارة" و"أبيدوس" أيام الأسرة الأولى.
هرم "زوسر" المدرج بـ"سقارة".
ثانياً: المصاطب المستطيلة المتراكبة فوق بعضها، مثل هرم "زوسر" المدرج.
هرم "ميدوم" بالفيوم.
ثالثاً: المصاطب المربعة المتراكبة فوق بعضها، مثل هرم "سنفرو" بميدوم شمال محافظة بنى سويف عند مدخلالفيوم (جنوب "سقارة")، وله هرمين بدهشور واحد شمالى والآخر جنوبى.
هرم الملك "سنفرو" الجنوبى المنحنى بدهشور جنوب سقارة (bent pyramid).
رابعاً: مُلئت المسافات التى بين المصاطب فاقتربت من الشكل الهرمى، كما فى هرم "سنفرو" بدهشور (الهرم الجنوبى).
هرم "سنفرو" الشمالى بدهشور (الهرم الأصغر على اليسار هو أيضاً للملك "سنفرو").
خامساً: تم انتظام الشكل، فاتخذ زاوية ثابتة لا تتغير درجاتها من القاعدة إلى القمة كما فى هرم "سنفرو" بدهشور (الهرم الشمالى).
وهكذا تم التطور من المصطبة إلى الشكل الهرمى الكامل الذى نراه فى أهرام الجيزة.
ملحقات الأهرامات
كان لكل هرم ملحقات مكملة له، لا يعتبر الهرم بدونها كاملاً. وللأسف فإن الزمن وعوامل العبث والتخريب جارت على هذه الملحقات، ولكن آثارها باقية لتدل عليها .. وكل هرم من الثلاثة لابد أن يكون له الآتى:
 بابان فى الجهة الشمالية (البحرية) أحدهما فى المداميك (صفوف الطوب أو الحجارة) السفلية، والثانى فوقه بقليل. وكل منهما يوصل إلى حجرة الدفن. وكان أمام هذا الباب حجرات صغيرة للعبادة.
 فى الجهة الشرقية من كل هرم كان يقام معبد ضخم يسمى معبد الشعائر أو المعبد الجنائزى. وهذا المعبد يتصل بمعبد آخر يسمى معبد الوادى، بطريق يبنى من الأحجار الضخمة المقطوعة من منطقة الجيزة نفسها ويسمى بالطريق الصاعد. يبلغ عرض هذا الطريق أحياناً 25 متراً، ويتوسط طوله ممر ضيق مسقوف. وكان يُستعمل لمرور الكهنة الذين كانوا يقومون بالمراسيم الدينية للملك من المعبد الجنائزى إلى معبد الوادى وبالعكس. وهذا الطريق الذى يوصل بين المعبدين طويل جداً. وقد بلغ طوله نحو نصف كيلومتر فى الهرم الثانى. وكان من المعتاد أن ينحت فى منتصف هذا الطريق نفق تحت الأرض تسهيلاً للذين يريدون أن يعبروا الطريق من جهة إلى أخرى.
بالنسبة لمعبد الوادى فإن واجهة المعبد ناحية الشرق تُستقبل بمدخلين يرمزان إلى الوجهين البحرى والقبلى، ويرمزان إلى اجتماع شمل أهلهما فى طاعة الفرعون وساحة معبده.
 كان من مستلزمات كل هرم أيضاً أن يقام حوله سور ضخم، حتى لا يقترب منه أحد غير الكهنة. وكان يُبنى هذا السور من الحجر، أو من الطوب اللبن النيئ.
 من أهم ما لفت الأنظار من آثار الملك "خوفو" صاحب الهرم الأكبر هى مراكبه والتى ذاعت شهرتها على أنها "مراكب الشمس"، وهى معروضة الآن بمتحف ملحق بمنطقة أهرامات الجيزة.

تعليقات

المشاركات الشائعة